الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **
وفيها كانت وقعة الأفشين مع بابك قتل من أصحاب بابك خلق كثير. وكان سببها أن المعتصم وجه بغا الكبير إلى الأفشين ومعه مال للجند والنفقات فوصل أردبيل فبلغ بابك الخبر فتهيأ هووأصحابه ليقطعوا عليه قبل وصوله إلى الأفشين فجاء جاسوس إلى الأفشين فأخبره بذلك فلما صح الخبر عند الأفشين كتب بغا أن يظهر أنه يريد الرحيل ويحمل المال على الإبل ويسير نحوه حتى يبلغ حصن النهر فيحبس الذي معه حتى يجوز من صحبه من القافلة فإذا جازوا رجع بالمال إلى أردبيل. ففعل بغا ذلك وسارت القافلة وجاءت جواسيس بابك إليه فأخبروه أن المال قد سار فبلغ النهر وركب الأفشين في اليوم الذي واعد فيه بغا عند العصر من برزند فوافى خش مع غروب الشمس فنزل خارج خندق أبي سعيد فلما أصبح ركب سرا ولم يضرب طبلا ولم ينشر غلما وأمر الناس بالسكوت وجد في السير ورحلت القافلة التي كانت توجهت ذلك اليوم من النهر إلى ناحية الهيثم وتعبى بابك في أصحابه وسار على طريق النهر وهويظن أن المال يصادفه فخرجت خيل بابك على القافلة ومعها صاحب النهر فقاتلهم صاحب النهر فقتلوه وقتلوا من كان معه من الجند وأخذوا جميع ما كان معهم وعلموا أن المال قد فاتهم وأخذوا علمه ولباس أصحابه فلبسوها وتنكروا ليأخذوا الهيثم الغنوي ومن معه أيضا ولا يعلمون بخروج الأفشين وجاؤوا كأنهم أصحاب النهر فلم يعرفوا الموضع الذي يقف فيه علم صاحب النهر فلم يعرفوا الموضع الذي يقف فيه علم صاحب النهر فوقفوا في غيره. وجاء الهيثم فوقف في موضعه وأنكر ما رأى فوجه ابن عم له فقال له: اذهب إلى هذا البغيض فقل له لأي شيء وقوفك فجاء إليهم فأنكرهم فرجع إليه فأخبره فأنفذ جماعة غيره فأنكروهم أيضا وأخبروه أن بابك قد قتل علويه صاحب النهر وأصحابه وأخذ أعلامهم ولباسهم فرحل الهيثم راجعا ونجى القافلة التي كانت معه وبقي هووأصحابه في أعقابهم حامية لهم حتى وصلت القافلة إلى الحصن وهوأرشق وسير رجلين من أصحابه إلى الأفشين وإلى أبي سعيد يعرفهما الخبر فخرجا يركضان ودخل الهيثم الحصن ونزل بابك عليه ووضع له كرسي بحيال الحصن وأرسل إلى الهيثم أن خل الحصن وانصرف فأبى الهيثم ذلك فحاربه بابك وهويشرب الخمر على عادته والحرب مشتبكة.وسار الفارسان فلقيا الأفشين على أقل من فرسخ فقال لصاحب مقدمته: أرى فارسين يركضان ركضًا شديدا ثم قال: اضربوا الطبل وانشروا الأعلام واركضوا نحوهما وصيحوا لبيكما لبيكما! ففعلوا ذلك وأجرى الناس خيلهم طلقًا واحدا حتى لحقوا بابك وهوجالس فلم يطق أن يركب حتى وافته الخيل فاشتبكت الحرب فلم يفلت من رجاله بابك أحد وأفلت هوفي نفر يسير من خيالته ودخل موقان وقد تقطع عنه أصحابه ورجع عنه الأفشين إلى برزند. وأقام بابك بموقان وأرسل إلى البذ فجاءه عسكر فرحل بهم من موقان حتى دخل البذ ولم يزل الأفشين معسكرًا ببرزند فلما كان في بعض الأيام مرت قافلة فخرج عليها أصبهنذ بابك فأخذها وقتل من فيها فقحط عسكر الأفشين لذلك فكتب الأفشين إلى صاحب مراغة بحمل الميرة وتعجيلها فوجه إليه قافلة عظيمة فيها قريب من ألف ثور سوى غيرها من الدواب تحمل الميرة ومعها جند يسيرون بها فخرج عليهم سرية لبابك فأخذوها عن آخرها وأصاب العسكر ضيق شديد فكتب الأفشين إلى صاحب شيروان يأمره أن يحمل إليه طعاما فحمل إليه طعامًا كثيرا وأغاث الناس وقدم بغا على الأفشين بما معه.
وفي هذه السنة خرج المعتصم إلى سامرا لبنائها وكان سبب ذلك أنه قال: إني أتخوف هؤلاء الحربية أن يصيحوا صيحة فيقتلوا غلماني فأريد أن أكون فوقهم فإن رابني منهم شيء أتيتهم في البر والماء حتى آتي عليهم فخرج إليها فأعجبه مكانها. وقيل كان سبب ذلك أن المعتصم كان قد أكثر من الغلمان الأتراك فكانوا لا يزالون يرون الواحد بعد الواحد قتيلا وذلك أنهم كانوا جفاة يركبون الدواب فيركضونها إلى الشوارع فيصدمون الرجل والمرأة والصبي فيأخذهم الأبناء عن دوابهم ويضربونهم وربما هلك أحدهم فتأذى بهم الناس. ثم إن المعتصم ركب يوم عيد فقام إليه شيخ فقال له: يا أبا إسحاق! فأراد الجند ضربه فمنعهم وقال: يا شيخ ما لك ما لك قال: لا جزاك الله عن الجوار خيرا جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك فأسكنتهم بيننا فأيتمت صبياننا وأرملت بهم نسواننا وقتلت رجالنا والمعتصم يسمع ذلك فدخل منزله ولم ير راكبًا إلى مثل ذلك اليوم فخرج فصلى بالناس العيد ولم يدخل بغداد بل سار إلى ناحية القاطول ولم يرجع بغداد. قال مسرور الكبير: سألني المعتصم أين كان الرشيد يتنزه إذا ضجر ببغداد قلت: بالقاطول وكان قد بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم وكان قد خاف من الجند ما خاف المعتصم فلما وثب أهل الشام بالشام وعصوا خرج إلى الرقة فأقام بهأن وبقيت مدينة القاطول لم تستتم. ولما خرج المعتصم إلى القاطول استخلف ببغداد ابنه الواثق وكان المعتصم قد اصطنع قومًا من أهل الحوف بمصر واستخدمهم وسماهم المغاربة وجمع قومًا من أهل الخوف بمصر واستخدمهم وسماهم المغاربة وجمع خلقًا من سمرقند وأشروسنة وفرغانة وسماهم الفراغنة فكانوا من أصحابه وبقوا بعده. وكان ابتداء العمارة بسامرا سنة إحدى وعشرين ومائتين.
وكان الفضل بن مروان من البردان وكان حسن الخط فاتصل بيحيى الجرمقاني كاتب المعتصم قبل خلافته فكان يكتب بين يديه فلما هلك الجرمقاني صار موضعه وسار مع المعتصم إلى الشام ومصر فأخذ من الأموال الكثير فلما صار المعتصم خليفة كان اسمها له وكان معناها لفضل واستولى على الدواوين كلها وكنز الأموال. وكان المعتصم يأمره بإعطاء المغني والنديم فلا ينفذ الفضل ذلك فثقل على المعتصم وكان له مضحك اسمه إبراهيم يعرف بالهفتي فأمر له المعتصم بمال وتقدم إلى الفضل بإعطائه فلم يعطه شيئا فبينا الهفتي يومًا عند المعتصم يمشي معه في بستان له وكان الهفتي يصحبه قبل الخلافة ويقول له فيما يداعيه: والله لا تفلح أبدًا وكان مربوعًا بدينا وكان المعتصم خفيف اللحم فكان يسبقه ويلتفت إليه ويقول: ما لك لا تسرع المشي فلما أكثر عليه من ذلك قال الهفتي مداعبًا له: كنت أراني أماشي خليفة واليوم أراني أماشي فيجًا والله لا أفلحت أبدًا! فضحك المعتصم وقل: وهل بقي من الفلاح شيء لم أدركه بعد الخلافة فقال: أتظن أنك أفلحت لا والله ما لك من الخلافة إلا اسمها ما يتجاوز أمرك أذنيك إمنا الخليفة الفضل فقال: وأي أمر لي لم ينفذ فقال الهفتي: أمرت لي بكذا وكذا منذ شهرين فما أعطيت حبه فحقدها على الفضل. فقيل أول ما أحدثه في أمره زمامًا في نفقات الخاصة وفي الخراج وجميع الأعمال ثم نكبه وأهل بيته في صفر وأمرهم بعمل حسابهم وصير مكانه محمد بن عبد الملك الزيات فنفى الفضل إلى قرية في طريق الموصل تعرف بالسن وصار محمد وزيرًا وكاتبًا. وكان الفضل شرس الأخلاق ضيق العطن كريه اللقاء بخيلا مستطيلًا فلما نكب ثشمت به الناس حتى قال بعضهم فيه: لبيك على الفضل بن مروان نفسه فليس له باك من الناس يعرف لقد صحب الدنيا منوعًا لخيرها وفارقها وهوالظلوم المعنف
في هذه السنة سير عبد الرحمن ملك الأندلس جيشًا إلى طليطلة فقاتلوها فلم يظفروا بها. وحج بالناس صالح بن العباس بن محمد. وفيها توفي سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس أبوأيوب الهاشمي وعفان بن مسلم أبوعثمان الصفار البصري وكان موته ببغداد وله خمس وثمانون سنة وهومن مشايخ البخاري وتوفي فتح الموصلي الزاهد وكان من الأولياء والأجواد ومحمد بن علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام توفي ببغداد وكان قدمها ومعه امرأته أم الفضل ابنة المأمون فدفن بها عند جده موسى بن جعفر وهوأحد الأئمة عند الإمامية وصلى على الواثق وكان عمره خمسًا وعشرين سنة وكانت وفاته في ذي الحجة وقيل في سبب موته غير ذلك.
في هذه السنة في هذه السنة واقه بابك بغا الكبير فهزمه وواقعه الافشين فهزم بابك. وكان سبب ذلك أن بغا الكبير كان قد قدم بالمال الذي كان معه إلى الأفشين ففرقه في أصحابه وتجهز بعد النيروز ووجه إلى بغا في عسكر ليدور حول هشتادسر وينزل في خندق محمد بن حميد ويحفره ويحكمه فسار بغا إلى الخندق ورحل الأفشين من برزند ورحل أبوسعيد من خش يريدان بابك فتوافوا بمكان يقال له: دروذ فحفر الأفشين خندقا وبنى عليه سورا وكان بينه وبين البذ ستة أميال. ثم إن بغا تجهز بغير أمر الأفشين وجمل معه الزاد ودار حول هشتادسر حتى دخل قرية البذ فنزلها فأقام بها ثم وجه ألف رجل في علاقة له فخرج عليهم بعض عساكر بابك فأخذ العلافة وقتل كل من كان قاتله وأسر من قدر عليه وأخذ بعضهم فأرسل منهم رجلين إلى الأفشين يعلمانه ما نزل بهم. ورجع بغا إلى خندق محمد بن حميد تشبيهًا بالمنهزم وكتب إلى الأفشين يعلمه ذلك ويسأله المدد فوجه إليه الأفشين أخاه الفضل وأحمد بنالخليل بن هشام وابن جوشن وجناحًا الأعور صاحب شرطة الحسن ابن سهل وأحد الأخوين قرابة الفضل بن سهل فأتوا بغا وكتب الأفشين إلى بغا يعلمه أن يغزوبابك في يوم عينة له ويأمره أن يغزو في ذلك اليوم بعينه فيحاربه من الوجهين فخرج الأفشين ذلك اليوم من دروذ يريد بابك وخرج بغا من خندقه فخرج إلى هشتادسر فلم يكن للناس صبر لشدة البرد والريح فانصرف إلى عسكره فعسكر على دعوة وهاجت ريح باردة ومطر شديد فرجع بغا إلى عسكره وواقعهم الافشين من الغد بعد رجوع بغا فهزم أصحاب بابك وأخذ عسكره وخيمته وامرأة كانت معه ونزل الأفشين في معسكر بابك. ثم تجهز بغا من الغد وصعد إلى هشتادسر فأصاب العسكر الذي كان مقيمًا بإزائه قد انصرف إلى بابك فأصاب من أثاثهم ورحلهم شيئًا وانحدر من هشتادسر يريد البذ وعلى مقدمته داود سياه فأرسل إليه بغا: إن المساء قد أدركنا وقد تعب الرجالة وتوسطنا المكان الذي قد نعرفه فانظر جبلًا حصينًا حتى نعسكر فيه ليلتنا هذه فصعد بهم إلى جبل أشرفوا منه على عسكر الأفشين فقال: نبيت ها هنا إلى غدوة وننحدر إلى الكافر إنه شاء الله تعالى. فجاءهم تلك الليلة سحب وبرد وثلج كثير فأصبحوا ولا يقدر أحد منهم أن ينزل فيأخذ ماء ولا يسقي دابته من شدة البرد واشتد عليه الثلج والضباب فلما كان اليوم الثالث قال الناس لبغا: قد فني ما معنا من الزاد وقد أضر بنا البرد فانزل على أي حالة إما راجعين وإما إلى الكافر. وكان بابك في أيام الضباب والثلج قد بيت الأفشين وبعض عساكره وانصرف الأفشين إلى عسكره فضرب بغا الطبل وانحدر يريد البذ ولا يعلم بما تم على الأفشين بل يظنه في موضع عسكره فلما نزل إلى بطن الوادي رأى السماء منجلية والدنيا طيبة غير رأس الجيل الذي كان عليه فعبأ أصحابه وتقدم إلى البذ حتى صار بحيث يلزق جبل البذ ولم يبق بينه وبين أن يشرف على أبيات البذ إلا صعود نصف ميل. وكان على مقدمته جماعة فيهم غلام لابن البعيث له قرابة بالبذ فلقيهم طلائع بابك فعرف بعضهم الغلام فسأله عم له عمن معه من أهله فأخبره فقال له: ارجع وقل لمن تعنى به يتنح فإنا قد هزمنا الأفشين ومضى إلى خندقه وتهيأنا لكم عسكرين فعجل الانصراف لعلك تفلت. فرجع الغلام فأخبر ابن البعيث فأخبر بغا بذلك فشاور أصحابه فقال بعضهم: هذا باطل هذه خدعة. وقال بعضهم: هذا رأس جبل ينظر إلى عسكر الأفشين فصعد بغا ومعه نفر إلى راس الجبل فلم يروا عسكر الأفشين فتيقن أنه مضى وتشاوروا فرأوا أن ينصرف الناس قبل أن يجيئهم الليل فانصرفوا وجدوا في السير ولم يقصد الطريق الذي دخل منه لكثرة مضايقه بل أخذ طريقًا يدور حول هشتادسر ليس فيه غير مضيق واحد فطرح الرجالة سلاحهم في الطريق وخافوا وصار بغا وجماعة القواد في الساقة وطلائع بابك تتبعهم وهم قدر عشرة فرسان فشاور بغا أصحابه وقال: لا آمن أن يكون هؤلاء مشغلة لنا عن المسير وتقدم أصحابهم ليأخذوا المضيق علينا فقال له الفضل: إن هؤلاء أصحاب الليل فأسرع السير ولا تنزل حتى تجاوز المضيق. وقال غيره: إن العسكر قد تقطع وقد رموا سلاحهم وقد بقي المال والسلاح على البغال ليس معه أحد ولا نأمن أن يؤخذ ويؤخذ الأسير الذي معهم. وكان ابن جويدان معهم أسيرًا يريدون أن يفادوا به فعسكر على رأس جبل حصين ونزل الناس وقد كلوا وتعبوا وفنيت أزوادهم فباتوا يتحارسون من ناحية المصعد فأتاهم بابك من الناحية الأخرى فكبسوا بغا والعسكر وخرج بغا راجلا فرأى دابة فركبها وجرح الفضل بن كاوس وقتل جناح السكري وابن جوشن واخذ الأخوين قرابة الفضل بن سهل ونجا بغا والناس ولم تتبعهم الخرمية وأخذوا المال والسلاح والأسير فوصل الناس معسكرهم منقطعين إلى خندقهم فأقام بغا به خمسة عشر يوما وكتب إليه الأفشين يأمره بالرجوع إلى مراغة وأن يرسل إليه المدد فمضى بغا إلى مراغة وفرق الأفشين الناس في مشاتيهم تلك السنة حتى جاء الربيع. وفيها قتل طرخان وهومن أكبر قواد بابك وكان سبب قتله أنه طلب من بابك إذنًا حتى يشتي في قريته وهي بناحية مراغة وكان الأفشين يرصده فلما علم خبره أرسل إلى ترك مولى إسحاق بن إبراهيم وهوبمراغة يأمره أن يسري إليه في قريته حتى يقتله أويأخذه أسيرا ففعل ترك ذلك وأسرى إليه وقتله وأخذ رأسه فبعثه إلى الأفشين.
وفي هذه السنة قدم صول أرتكين وأهل بلاده في القيود فنزعت فسودهم وحمل الدواب نحومائتين. وفيها غضب الأفشين على رجاء الحضاري وبعث به مقيدا وحج بالناس هذه السنة محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي ابن عبد الله وهووالي مكة. الحضاري بكسر الحاء المهملة وبالضاد المعجمة وبعد الألف راء وياء. وفيها توفي القاضي أحمد بن محرز قاضي القيروان وكان من العلماء العاملين الزاهدين في الدنيا. وفيها توفي آدم بن أبي إلياس العسقلاني وهومن مشايخ البخاري في صحيحه وعيسى بن أبان بن صدقة أبوموسى قاضي البصرة وهومن أصحاب أبي الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة وعبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي صاحب مالك وعبد الكبير بن المعافى بن عمران وكان فاضلا والعباس بن سليم بن جميل الأزدي الموصلي.
في هذه السنة وجه المعتصم إلى الأفشين جعفرًا الخياط مددًا له ووجه إليه إيتاخ ومعه ثلاثون ألف ألف درهم للجند ولنفقات فأوصل ذلك إلى الأفشين وعاد. وفيها كانت وقعة بين أصحاب الأفشين وقائد لبابك اسمه آذين وكان سببها أن الشتاء لما انقضى سنة إحدى وعشرين ومائتين وجاء الربيع ودخلت سنة اثنتين وعشرين رحل الأفشين عند إمكان الزمان فصار إلى موضع يقال له كلان روذ وتفسيره نهر كبير فاحتفر عنده خندقا وكتب إلى أبي سعيد ليرحل من برزند إلى طرف رستاق كلان روذ وبينهما قدر ثلاثة أميال فأقام الأفشين بكلان روذ خمسة أيام فأتاه من أخبره أن قائدًا لبابك اسمه آذين قد عسكر بإزائه وأنه قد صير عياله في خيل فقال له بابك: ليجعلهم في الحصن فقال: لا أتحصن من فوجه الأفشين ظفر بن العلاء السعدي في جماعة من الفرسان والرجالة فساروا ليلتهم فوصلوا إلى مضيق لا يسلكه إلا الواحد بعد الواحد وأكثر الناس قادوا دوابهم وتسلقوا في الحبل وأخذوا عيال آذين وبعض ولده. وبلغ الخبر آذين وكان الأفشين قد خاف أن يؤخذ عليهم الطريق فأمرهم أن يجعلوا على رأس كل جبل رجالًا معهم الأعلام السود فإن رأوا شيئًا يخافونه حركوا الأعلام ففعلوا ذلك فلما أخذوا عيال آذين ورجعوا إلى بعض الطريق قبل المضيق أتاهم آذين في أصحابه فحاربوهم فقتل منهم قتلى واستنقذوا بعض النساء فنظر الرجال المرتبون برؤوس الجبال فحركوا الأعلام وكان آذين قد أنفذ من يمسك عليهم المضيق فلما رأى الافشين تحريك العلم الذي بإزائه سير جماعة من الجند مع مظفر بن كيذر فأسرع نحوهم ووجه أبا سعيد بعدهم وبخارااخذاه فلما نظر إليهم رجالة آذين الذين على المضيق تركوه وقصدوا أصحابهم فنجا ظفر ابن العلاء ومن معه ومعهم بعض عيال آذين.
وفي هذه السنة فتحت البذ مدينة بابك ودخلها المسلمون وخربوها واستباحوها وذلك وكان سبب ذلك أن الأفشين لما عزم على الدنومن البذ والرحيل من كلان روذ جعل يتقدم قليلًا قليلًا خلاف ما تقدم وكتب إليه المعتصم يأمره أن يجعل الناس نوائب يقفون على ظهور الخيل نوبًا في الليل مخافة البيات فضج الناس من التعب وقالوا: بيننا وبين العدوأربعة فراسخ ونحن نفعل أفعالًا كأن العدوبإزائنا قد استحيينا من الناس اقدم بنا فإما لنا وإما علينا. فقال: أعلم أن قولكم حق. ولكن أمير المؤمنين أمرني بهذا. فلم يلبث أن جاءه كتاب المعتصم يأمره أن يفعل كما كان يفعل فلم يزل كذلك أياما ثم انحدر حتى نزل روذ الروذ وتقدم حتى شارف الموضع الذي كانت به الوقعة في العام الماضي فوجد عليه كردوسًا من الخرمية فلم يحاربهم ولم يزل إلى الظهر ثم رجع إلى معسكره فمكث يومين ثم عاد في أكثر من الذين كانوا معهم ولم يقاتلهم وأقام الأفشين بروذ الروذ وأمر الكوهبانية وهم أصحاب الأخبار أن ينظروا له في رؤوس الجبال مواضع يتحصن فيها الرجالة. فاختاروا له ثلاثة أجبل كان عليها حصون فخربت فاخذ معه الفعلة وسار نحوهذه الجبال وأخذ معه الكعك والسويق وأمر الفعلة بنقل الحجارة وسد الطريق إلى تلك الجبال حتى صارت كالحصون وأمر بحفر خندق على كل طريق وراء تلك الحجارة ولم يترك مسلكًا إلى الجبال منها إلا مسلكًا واحدا ففرغ من الذي أراد من حفر الخنادق في عشرة أيام وهووالناس فلما فرغ منها ادخل الرجالة إليها وأنفذ إليه بابك رسولًا ومعه قثاء وبطيخ وخيار ويعلمه أنه قد تعب وشقي من أكل الكعك وأننا في عيش رغد. فقبل ذلك منه وقال: قد عرفت ما أراد أخي وأصعد الرسول فأراه ما عمل وأطاف به خنادقه كلها وقال اذهب فعرفه ما رأيت. وكان جماعة من الخرمية يأتون إلى قرب خندق الأفشين فيصيحون فلم يترك الأفشين أحدًا يخرج إليهم فعلوا ذلك ثلاثة أيام ثم إن الأفشين كمن لهم كمينا فلما جاؤوا ثاروا عليهم فهربوا ولم يعودوا. وعبأ الأفشين أصحابه وأمر كلًا منهم بلزوم موضعه وكان يركب والناس في مواقفهم فكان يصلي الصبح بغلس ثم يضرب ويسير زحفا وكانت علامته في المسير والوقوف ضرب الطبول لكثرة الناس ومسيرهم في الجبال والأودية على مصافهم فإذا سار ضربها وإذا وقف أمسك عن ضربها فيقف الناس جميعا ويسيرون جميعًا. وكان يسير قليلًا قليلًا كلما جاءه كوهباني بخبر سار أووقف وكان إذا أراد أن يتقدم إلى المكان الذي كانت به الوقعة عام أول خلف بخارااخذاه على رأس العقبة في ألف فارس وستمائة راجل يحفظون الطريق لئلا يأخذه الخرمية عليهم. وكان بابك إذا أحس بمجيئهم وجه جمعًا من أصحابه فيكمنون في واد تحت تلك العقبة تحت بخارااخذاه واجتهد الأفشين أن يعرف مكان كمين بابك فلم يعلم بهم وكان يأمر أبا سعيد أن يعر الوادي في كردوس ويأمر جعفرًا الخياط أن يعبر في كردوس ويأمر أحمد بن الخليل بن هشام أن يعبر في كردوس آخر فيصير في ذلك الجانب ثلاثة كراديس في طرف أبياتهم وكان بابك يخرج عسكره فيقف بإزاء هذه الكراديس لئلا يتقدم منهم أحد إلى باب البذ. وكان يفرق عساكره كمينا ولم يبق إلا في نفر يسير. وكان الأفشين يجلس على تل مشرف ينظر إلى قصر بابك والناس كراديس فمن كان معه من هذا الجانب من الوادي نزل عن دابته ومن كان من ذلك الجانب مع أبي سعيد وجعفر وأحمد بن الخليل لم ينزل القرية من العدو وكان بابك وأصحابه يشربون الخمر ويضربون بالسرنائي فإذا صلى الأفشين الظهر رجع إلى خندقه بروذ الروذ فكان يرجع أولًا أقربهم إلى العدو ثم الذي يليه ثم الذي يليه فكان آخر من يرجع بخاراخذاه لأنه كان أبعدهم عن العدو فإذا رجعوا صاح بهم الخرمية. فلما كان في بعض الأيام الخرمية من المطاولة وانصرف الأفشين كعادته وعادت الكراديس التي بذلك الجانب من الوادي ولم يبق إلا جعفر الخياط ففتح الخرمية باب البذ وخرج منهم جماعة على أصحاب جعفر وارتفعت الصيحة فتقدم جعفر بنفسه فرد أولئك الخرمية إلى باب البذ ووقعت الصيحة في العسكر فرجع الأفشين فرأى جعفرًا وأصحابه يقاتلون وخرج من الفريقين جماعة وجلس الأفشين في مكانه وهويتلظى على جعفر ويقول: أفسد عليّ تعبيتي. وارتفعت الصيحة فكان مع أبي دلف قوم من المتطوعة فعبروا إلى جعفر بغير أمر الأفشين وتعلقوا بالبذ وأثروا فيه أثرا وكادوا يصعدونه فيدخلون البذ ووجه جعفر إلى الأفشين أن أمدني بخمس مائة راجل من الناشبة فإني أرجو أن أدخل البذ إن شاء الله تعالى فبعث إليه الأفشين: إنك أفسدت عليّ أمري فتخلص قليلًا قليلا وخلص أصحابك وانصرف وارتفعت الصيحة من المتطوعة حتى تعلقوا بالبذ وظن الكمناء الذين لبابك أن الحرب قد اشتبكت فوثب بعضهم من تحت بخاراخذاه ووثب بعضهم من ناحية أخرى فتحركت الكمناء من الخرمية والناس على رؤوسهم فلم يزل منهم أحد فقال الأفشين: الحمد لله الذي بين مواضع هؤلاء. ورجع جعفر وأصحابه والمتطوعة فجاء جعفر إلى الأفشين فأنكر عليه حيث لم يمده وجرى بينهما نفرة شديدة وجاء رجل من المتطوعة ومعه صخرة فقال للأفشين: أتردنا وهذا الحجر أخذته من السور فقال: إذا انصرفت عرفت من على طريقك يعني الكمين الذي عند ثم رجع هووأصحابه على عادتهم فلما رأى هؤلاء الكمين الذي عند بخاراخذاه علموا ما كان وراءهم فإن بخاراخذاه لوتحرك نحوالقتال لملكوا ذلك الموضع وهلك المسلمون عن آخرهم فأقام الأفشين بخندقه أياما فشكا المتطوعة إليه ضيق العلوفة والزاد والنفقة فقال: من صبر فليصبر ومن لا فالطريق واسع فلينصرف وفي جند أمير المؤمنين كفاية. فانصرف المتطوعة يقولون: لوترك الأفشين جعفرًا وتركنا لأخذنا البذ لكنه يشتهي المطاولة فبلغه ذلك وما تتناوله المتطوعة بألسنتهم حتى قال بعضهم: إني رأيت رسول الله في المنام قال لي: قل للإفشين إن أنت حاربت هذا وجددت في أمره وإلا أمرت الجبال أن ترجمك بالحجارة فتحدث الناس بذلك فبلغ الأفشين فأحضره وسأله عن المنام فقصه عليه فقال: الله يعلم نيتي وما أريد بهذا الخلق وإن الله لو أمر الجبال برجم أحد لرجم هذا الكافر فكفانا مؤونته. فقال رجل من المتطوعة: أيها الأمير لا تحرمنا شهادة إن كانت حضرت وإمنا قصدنا ثواب الله ووجهه فدعنا وحدنا حتى نتقدم بعد أن يكون بإذنك لعل اله أن يفتح علينا. فقال الأفشين: إني أرى نياتكم حاضرة وأحسب هذا الأمر يريده الله تعالى وهوخير إن شاء الله وقد نشطتم ونشط الناس وكان هذا رأيي وقد حدث الساعة لما سمعت من كلامكم اعزموا على بركة الله أي يوم أردتم حتى نناهضه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فخرجوا مستبشرين فتأخر من أراد الانصراف ووعد الأفشين الناس ليوم ذكره لهم وأمر الناس بالتجهز وحمل المال والزاد والماء وجعل المحامل على البغال تحمل الجرحى وزحف بالناس ذلك اليوم وجعل بخاراخذاه بمكانه على العقبة وجلس الأفشين بالمكان الذي كان يجلس فيه وقال لأبي دلف: قل للمتطوعة أي ناحية أسهل عليكم فاقتصروا عليها. فقال لجعفر: العسكر كله بين يديك والنشابة والنفاطون فإن أردت فخذ منهم ما تريد واعزم على بركة الله وتقدم من أي موضع تريد. فسار إلى الموضع الذي كان به ذلك اليوم وقال لأبي سعيد: قف عندي أنت وأصحابك وقال لجعفر: قف أنت ها هنا لمكان عينه له فإن أراد جعفر رجالًا أوفرسانًا أمددناه. وتقدم جعفر والمتطوعة فقاتلوا وتعلقوا بسور البذ وضرب جعفر باب البذ ووقف عنده يقاتل عليه ووجه الأفشين غليه وإلى المتطوعة بالأموال لتفرق فيهم ويعطي من تقدم وأمدهم بالفعلة معهم الفؤوس وبعث إليهم بالمياه لئلا يعطشوا وبالكعك والسويق فاشتبكت الحرب على الباب طويلًا ففتحت الخرمية الباب وخرجوا على أصحاب جعفر فنحوهم عن الباب وشدوا على المتطوعة من الناحية الأخرى فطرحوهم عن السور ورموهم بالصخر وأثروا فيهم وضعفوا عن الحرب وأخذ جعفر من أصحابه نحومائة رجل فوقفوا خلف تراسهم متحاجزين لا يقدم وبعث الأفشين الرجالة الذين كانوا عنده نحوالمطوعة وبعث إلى جعفر بعضهم خوفًا أن يطمع العدو فقال جعفر: لست أوتي من قلة ولكني لا أرى للحرب موضعًا يتقدمون فيه فأمره بالانصراف فانصرف. وحمل الأفشين الجرحى ومن به من الحجارة فحملوا في المحامل على البغال وانصرفوا عنهم وأيس الناس من الفتح تلك السنة وانصرف أكثر المطوعة. ثم إن الأفشين تجهز بعد جمعتين فلما كان جوف الليل بعث الرجالة الناشبة وهم ألف رجل وأعطى كل واحد منهم شكوة وكعكا وأعطاهم أعلامًا غير مركبة وبعث معهم أدلاء فساروا في جبال منكرة صعبة في غير طريق حتى صاروا خلف التل الذي يقف آذين عليه وهوجبل شاهق وأمرهم أن لا يعلم بهم أحد حتى إذا رأوا أعلام الأفشين وصلوا الغداة ورأوا الوقعة ركبوا تلك الأعلام في الرماح وضربوا الطبول وانحدروا من فوق الجبل ورموا بالنشاب والصخر على الخرمية وإن هم لم يروا الأعلام لم يتحركوا حتى يأتيهم خبره. ففعلوا ذلك فوصلوا إلى رأس الجييل عند السحر فلما كان في بعض الليل وجه الأفشين إلى الجند وأمرهم بالتجهز للحرب. فلما كان في بعض الليل وجه بشيرًا التركي وقوادًا من الفراعنه كانوا معه فأمرهم أن يسيروا حتى يصيروا تحت التل الذي عليه آذين وكان يعلم أن بابك يكمن تحت ذلك الجبل فساروا ليلا ولا يعلم بهم أكثر أهل العسكر ثم ركب هووالعسكر مع السحر فصلى الغداة وضرب الطبل وركب فأتى الموضع الذي كان يقف فيه فقعد على عادته وأمر بخاراخذاه أن يقف مع جعفر الخياط وأبي سعيد وأحمد بن الخليل بن هشام ونزل الموضع الذي كان يقف فيه فأنكر الناس ذلك وأمرهم أن يقربوا من التل الذي عليه آذين فيحدقوا به وكان قبل ينهاهم عنه. ومضى الناس مع هؤلاء القواد الأربعة فكان جعفر مما يلي الباب وإلى جانبه أبوسعيد وإلى جانب أبي سعيد بخاراخذاه وكان أحمد مما يلي بخاراخذاه فصاروا جميعًا حول التل وارتفعت الضجة من أسفل الوادي فوثب كمين بابك ببشير التركي والفراعنة فحاربوهم وسمع أهل العسكر صيحتهم فأرادوا الحركة فأمر الأفشين مناديًا ينادي فيهم أن بشيرًا قد أثار كمينا فلا يتحركن أحد فسكنوا ولما سمع الرجال الذين كان سيرهم حتى صاروا في أعلى الجيل ضجة العسكر ركبوا الأعلام على الرماح فنظر الناس إلى الأعلام تنحدر من الجبل على خيل آذين فوجه آذين إليهم بعض أصحابه. وحمل جعفر وأصحابه على آذين وأصحابه حتى صعدوا إليه فحملوا عليه حملة منكرة فانحدر إلى الوادي وحمل عليه جماعة من أصحاب أبي سعيد فإذا تحت دوابهم آبار محفورة فتساقطت الفرسان فيها فوجه الأفشين الفعلة يطمون تلك الآبار ففعلوا وحمل الناس عليهم حملة شديدة. وكان آذين قد جعل فوق الجبل عجلًا عليها صخر فلما حمل الناس عليه دفعتلك العجل عليهم فأفرج الناس منها حتى تدحرجت ثم حمل الناس من كل وجه فلما نظر بابك إلى أصحابه قد أحدق بهم خرج من طرف البذ ممايلي الأفشين فأقبل نحوه فقيل للأفشين: إن هذا بابك يريدك فتقدم إليه حتى سمع كلامه وكلام أصحابه والحرب مشتبكة في ناحية آذين فقال: أريد الأمان من أمير المؤمنين فقال له الأفشين: قد عرضت هذا عليك وهولك مبذول متى شئت فقال: قد شئت الآن على أن تؤخرني حتى أحمل عيالي وأتجهز فقال له الأفشين: أنا أنصحك خروجك اليوم خير من غد قال: قد قبلت هذا قال الأفشين: فابعث بالرهائن! فقال: نعم أما فلان وفلان فهم على ذلك التل فمر أصحابك بالتوقف. فجاء رسول الأفشين ليرد الناس فقيل له إن أعلام الفراغنة قد دخلت البذ وصعدوا بها القصور فركب وصاح بالناس فدخل ودخلوا وصعد الناس بالأعلام فوق قصور بابك وكان قد كمن في قصوره وهي أربعة ستمائة رجل فخرجوا على الناس فقاتلوهم ومر بابك حتى دخل الوادي الذي يلي هشتادسر واشتغل الأفشين ومن معه بالحرب على أبواب القصور فأحضر النفاطين فأحرقوها وهدم الناس القصور فقتلوا الخرمية عن آخرهم وأخذ الأفشين أولاد بابك وعيالاته وبقي هناك حي أدركه المساء فأمر الناس بالانصراف فرجعوا إلى الخندق بروذ الروذ. وأما بابك فإنه سار فيمن معه وكانوا قد عادوا إلى البذ بعد رجوع الأفشين فأخذوا ما أمكنهم من الطعام والأموال ولما كان الغد رجع الأفشين إلى البذ وأمر بهدم القصور وإحراقها ففعلوا فلم يدع منها بيتا وكتب إلى ملوك أرمينية وبطارقتهم يعلمهم ان بابك قد هرب وعدة معه وهومار بكم وأمرهم بحفظ نواحيهم ولا يمر بهم أحد إلا أخذوه حتى يعرفوه. وجاءت جواسيس الأفشين إليه فأعلموه بموضع بابك وكان في واد كثير الشجر والعشب طرفه بأذربيجان وطرفه الآخر بأرمينية ولم يمكن الخيل نزوله ولا يرى من يستخفي فيه لكثرة شجره ومياهه ويسمى هذا الوادي عيضة فوجه الأفشين إلى كل موضع فيه طريق إلى الوادي جماعة من أصحابه يحفظونه وكانوا خمس عشرة جماعة. وورد كتاب المعتصم فيه أمان بابك فدعا الأفشين من كان استأمن إليه من أصحابه فأعلمهم ذلك وأمرهم بالمسير إليه بالكتاب وفيهم ابنه فلم يجسر أحد منهم خوفًا منه فقال إنه يفرح بهذا الأمان فقالوا: نحن أعرف به منك فقام رجلان فقالا: اضمن لنا أنك تجري على عيالاتنا فضمن لهما فسارا بالكتاب فلما رأياه أعلماه ما قدما له فقتل أحدهما وأمر الآخر أن يعود بالكتاب إلى الأفشين. وكان ابنه قد كتب إليه معهما كتابا فقال لذلك الرجل: قل لابن الفاعلة: لوكنت ابني للحقت بي ولكنك لست ابني ولأن تعيش يومًا واحدًا وأنت رئيس خير من أن تعيش أربعين سنة عبدًا ذليلًا! وقعد في موضعه فلم يزل في تلك الغيضة حتى فني زادهن وخرج من بعض تلك الطرق وكان من عليه من الجند قد تنحوا قريبًا منه وتركوا عليه أربعة نفر يحرسونه. فبيمنا هم ذات يوم نصف النهار إذ خرج بابك وأصحابه فلم ير العسكر ولا أولئك الذيم يحرسون المكان فطن أن ليس هناك أحد فخرج هووعبد الله أخوه ومعاوية وأمه وامرأة أخرى وساروا يريدون أرمينية فرآهم الحراس فأرسلوا إلى أصحابهم: إننا قد رأينا فرسانًا لا ندري من هم وكان أبوالساج هوالمقدم عليهم فركب الناس وساروا نحوهم فرأوا بابك وأصحابه قد نزلوا على ماء يتغذون فلما رأى العساكر ركب هوومن معه فنجا هو وأخذ معاوية وأم بابك والمرأة الأخرى فأرسلهم أبوالساج إلى الأفشين. وسار بابك في جبال أرمينية مستخفيا فاحتاج إلى طعام وكان بطارقة أرمينية قد تحفظوا بنواحيهم وأوصوا أن لا يجتاز بهم أحد إلا أخذوه حتى يعرفوه وأصاب بابك الجوع فرأى حراثًا في بعض الأودية فقال لغلامه: انزل إلى هذا الحراث وخذ معك دنانير ودراهم فغ كان خبز فاشتر منه. وكان للحراث شريك قد ذهب لحاجة فنزل الغلام إلى الحراث ليأخذ منه الطعام فرآه رفيق الحراث فظن أنه يأخذ ما معه غصبا فعدا إلى المسلحة وأعلمهم أن رجلًا عليه سيف وسلاح قد أخذ خبز شريكه فركب صاحب المسلحة وكان في جبال ابن سنباط فوجه إلى سهل بن سنباط بالخبر فركب في جماعة فوافى الحراث والغلام عنده فسأل عنه فأخبره الحراث خبره فأخبره الغلام عن مولاه ودله عليه فلما رأى وجه بابك عرفه فترجل له واخذ يده فقبلها وقال: أين تريد قال: بلاد الروم قال: لا تجد أحدًا أعرف بحقك مني وليس بيني وبين السلطان عمل وكل من ها هنا من البطارقة إمنا هم أهل بيتك قد صار لك منهم أولاد وذلك أن بابك كان إذا علم أن عند بعضهم من النساء امرأة جميلة طلبها فإن بعث بها إليه وإلا أسرى إليه فأخذها ونهب ماله وعاد فخدعه ابن سنباط حتى صار إلى حصنه. وأرسل بابك أخاه عبد الله إلى حصن اصطفانوس فأرسل ابن سنباط إلى الأفشين يعلمه بذلك فكتب إليه الأفشين يعده ويمنيه ووجه إليه أبا سعيد وبورماره وأمرهما بطاعته وأمرهما ابن سنباط بالمقام في مكان سماه وقال: لا تبرحا حتى يأتيكما رسولي فيكون العمل ثم إنه قال لبابك: قد ضجرت من هذا الحصن فلونزلت إلى لاصيد ففعل فلما نزل من الحصن أرسل ابن سنباط إلى أبي سعيد وبورماره فأمرهما أن يوافياه: أحدهما من جانب واد هناك والثاني من الجانب الآخر ففعلا فلم يحب أن يدفعه إليهما. فبيمنا بابك وابن سنباط يتصيدان إذ خرج عليهما أبوسعيد وبورماره في أصحابهما وعلى بابك دراعة بيضاء فأخذوهما وأمروا بابك بالنزول فقال: من أنتم فقال: أنا أبوسعيد وهذا فلان فنزل ثم قال لابن سنباط القبيح وشتمه وقال: إمنا بعتني لليهود بشيء يسير لوأردت المال لأعطيتك أكثر مما يعطيك هؤلاء فأركبه أبوسعيد وساروا به إلى الأفشين فلما قرب من العسكر صعد الأفشين وجلس ينظر إليه وصف عسكره صفين وأمر بإنزال بابك عن دابته ومشى بين الصفين وأدخله الأفشين بيتا ووكل به من يحفظه وسير معه سهل بن سنباط ابنه معاوية فأمر له الأفشين بمائة ألف درهم وأمر لسهل بألف ألف درهم ومنطقة مغرقة بالجواهر وتاج البطرقة. وأرسل الأفشين إلى عيسى بن يونس بن اصطفانوس يطلب منه عبد الله أخا بابك فأنفذه إليه فحبسه مع أخيه وكتب إلى المعتصم بذلك فأمره بالقدوم بهما عليه. وكان وصول بابك إلى الأفشين ببرزند لعشر خلون من شوال وكان الافشين قد أخذ نساء كثيرة وصبيانًا كثيرًا ذكروا أن بابك أسرهم وأنهم أحرارًا من العرب والدهاقين فأمر بهم فجعلوا في حظيرة كبيرة وأمرهم أن يكتبوا إلى أوليائكم فكل من جاء يعرف امرأة أوصبيا أوجارية وأقام شاهدين أخذه فأخذ الناس منهم خلقًا كثيرا وبقي كثير منهم.
|